
عَلَيْنَا أَخْذُ الْأُهْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْأَسْئِلَةِ الَّتِي سَنُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ -عَزَّ وجَلَّ-؛ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-:
(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصافات: 24].

وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
الصَّلَاةُ؛ لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنَّ صَلُحَتْ قَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ, وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ".
وَالدِّمَاءُ؛ لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ الدِّمَاءُ", وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ: عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟، وَعَنْ مَالِهِ: مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).

وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
الْقُرْآنُ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)[الزخرف: 43، 44].

وَالْكُفْرُ وَالشِّرْكُ، وَمِنْهَا الشِّرْكُ الأَصْغَر، وَخَاصَةً الْرِّيَاءُ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-:
(وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ)[النحل: 56].

وَالنَّعِيمُ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا سوف نسأل عنه:
(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر: 8], وَقَالَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ, وَنَرْوِيَكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).

وَنُسْأَلُ عَنِ الْعَهْدِ وَالْمَوَاثِيقِ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-:
(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[الإسراء: 34], وَقَالَ -تَعَالَى-:
(وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا)[الأحزاب:15].

وَسَوْفَ نُسْأَلُ عَنِ الْعِلْمِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْفُؤَادِ، فَعَلَى ظَاهِرِهَا الْإِنْسَانُ مَسْؤُولٌ عَنْ سَمْعِهِ، وَعَنْ بَصَرِهِ، وَعَنْ فُؤَادِهِ, عَنْ قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ, هَلِ اسْتَعْمَلَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ فِي مَحَارِمِ اللَّهِ؟، الْأَمْرُ عَظِيمٌ، السَّمْعُ يَسْمَعُ الشَّرَّ، وَالْخَيْرَ، وَالْبَصَرُ كَذَلِكَ، وَالْقَلْبُ كَذَلِكَ يَعْقِلُ الشَّرَّ وَالْخَيْرَ.

فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَصُونَ سَمْعَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَنْ يَصُونَ بَصَرَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَنْ يُعَمِّرَ قَلْبَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ يَحْذَرَ مَحَارِمَ اللَّهِ، وَأَنْ يَخَافَ اللَّهَ وَيُحِبَّهُ، وَيَخْشَاهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَأَنْ يُخْلِصَ لَهُ فِي الْعَمَلِ، وَيَحْذَرَ خِلَافَ ذَلِكَ مِنَ النِّفَاقِ وَالْكِبْرِ, وَغَيْرِ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ السَّيِّئَةِ، وَالْعَقْلُ يُسَمَّى فُؤَادًا، وَالْقَلْبُ يُسَمَّى فُؤَادًا, قَالَ -تَعَالَى-:
(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36].

فَهُنَاكَ أَسْئِلَةٌ أَجْوِبَتُهَا مُخْزِيَةٌ, كَفَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ شرها، وَوَقَانَا خِزْيَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, فعند طرح الاسئلة تطهر الندامة؛
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)[النساء: 42], وَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وجَلَّ-:
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)[السجدة: 12].

وسَوْفَ يُسْأَلُ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ -وَعَلَى رَأْسِهِمْ أَئِمَّةُ الْكُفَّارِ فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَأَبُو جَهْلٍ- عَنْ إِضْلَالِ النَّاسِ؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-:
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[العنكبوت: 13], وَقَالَ اللَّهُ: (
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[العنكبوت:13].

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.