عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2022/11/03, 11:39 PM
الصورة الرمزية محمود الاسكندرانى
محمود الاسكندرانى محمود الاسكندرانى غير متواجد حالياً
♥ ♥ ♥ نـائـــب المـــــديـر الـعــــــام ♥ ♥ ♥
رابطة مشجعى نادى ليفربول
رابطة مشجعى نادى ليفربول  
تاريخ التسجيل: Jan 2021
المشاركات: 590
افتراضي توازن الأجرام السماوية


الأجرام السماوية 764648558.gif
الأجرام السماوية 13844341312.png
تتضمن الآية الكريمة: “فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)”[سورة الأنعام]- من وجهة النظر العلمية- ثلاثة مقاطع, هى: “فَالِقُ الإِصْبَاحِ”, “وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً”, “وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً”, وكل منها ينطوي على إشارة علمية بليغة, ولكننا سنركز جُـلّ همنا على المقطع الثالث .
الأجرام السماوية 13844341312.png
وفي “حُسبانا”- لغة- يقول جمال الدين بن منظور(ت 711 هـ) (في “لسان العرب”): الحسابُ والحسابةُ عَدُّل الشئَ. وَحَسِبَ الشئَ يَحْسَبُهُ (بالضم) حُسْبَان وحُسْبَاناً وحسابةً: عَدَّه. وحَسِبْتُ الشئَ أحْسَبُه حِساباً وحَسِبْتُ الشئَ أحْسَبُه حِسْاباً وحُساباً… وعن أبى الهيثم أنه (حسبان) جمع حساب, مثل: ركاب وركبان, وشهاب وشهبان…
الأجرام السماوية 13844341312.png
وندخل الآن في جولة سريعة لنتعرّف على ما ورد عند أبرز المفسرين بشأن هذه اللفظة القرآنية, ونبدأ بتفسير “مفاتيح الغيب” للفخر الرازي (ت 606 هـ), لنجده يقول:.. وتحقيق الكلام فيه (أيْ الجزء “وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً”) أن الله تعالى قدّر حركة الشمس مخصوصة بمقدار من السرعة والبطء بحيث تتم الدورة في سنة, وقدّر حركة القمر بحيث يتم الدورة في شهر. وبهذه المقادير تنتظم مصالح العالم في الفصول الأربعة, وبسببها يحصل ما يحتاج إليه من نضج الثمار وحصول الغلات, ولو قدرنا كونها أسرع أو أبطأ مما وقع, لاختلت هذه المصالح…
الأجرام السماوية 13844341312.png
ولكن جار الله الزمخشري (ت 538 هـ) (في تفسيره “لكشاف”) ذهب إلى أن حُسبان (بضم الحاء) مصدر حسب, ونظيره: الكفران والغفران والشكران… واستخلص الرازي من قول الزمخشري أن الله سبحانه جعل الشمس والقمر على حساب, لأن حساب الأوقات لا يُعلم إلاّ بدورها وسيرهما. ولذلك ختم الله الآية بقوله “ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ”, إشارة إلى كمال قدرته (العزيز), وكمال علمه (العليم), أيْ أن هذه الحركات بهذه المقادير المحددة لا يمكن حدوثها إلاّ بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات وبعلم نافذ في جميع المعلومات (من الكليات والجزيئات), وهذا تصريح بأن حصول هذه الأحوال والصفات ليس مرجعه إلى طبيعة الأجرام, بل إلى تخصيص الفاعل المختار سبحانه وتعالى لها…
الأجرام السماوية 13844341312.png
وهذا الذي توصل الفخر الرازي إلى فهمه من الآية, لم يزد عليه من جاء بعده, مثل أبو السعود (ت 951 هـ) (في تفسيره “إرشاد العقل السليم”), ومحمود الألوسي (ت 1270هـ) (في تفسيره “روح المعاني), وغيرهما… وإن كان محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393هـ) قد فصّل القول (في تفسيره “التحرير والتنوير”) بعض الشئ, فقال: جعل الله تعالى للشمس حسبان كما جعل للقمر حسبان، كما جعلهما علامة حساب للناس يحسبون بحركاتهما أوقات الليل والنهار والشهور والفصول.
الأجرام السماوية 13844341312.png
ويأتي الشعراوي (ت 1418 هـ) في القرن الخامس عشر الهجري ليشرح (في تفسيره “خواطر”) اللفظتين “حُسبانا” في سورة الأنعام- التي نعيش في رحابها الآن- و”بحسبان” الواردة في قول الله تعالى: “الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ{5}” [سورة الرحمن], فيقول: “حُسْبَانٍ” هنا تعني أن نحسب الأشياء, فنحن نحسب السنة بدورة الشمس في مدة مقدارها 365 يوما وربع اليوم, وهى تمرّ بالبروج خلال هذه المدة. والقمر يبدأ بروجه (يقصد منازله) كل شهر في ثمانية وعشرين يوما وبعض اليوم. ونحن نحسب اليوم بالشمس, ونحسب بها العام, ولكننا نحسب الشهر بالقمر. والاثنتان (يعني الشمس والقمر) حُسبان: الشمس لها حساب والقمر له حساب. وكلاهما مخلوق ليُحسب به شئ آخر, لأنهما خلقا بحسبان, أيْ أنهما قد أريد بهما الحساب الدقيق, لأن الشمس مخلوقة بحساب, وكذلك القمر, ولم تكن الشمس والقمر حُسابا لنا نحسب بهما الأشياء إلاّ إذا كان كل منهما مخلوق بحساب… ولم يقل الحق سبحانه: (حسابا), بل قال: “حُسبانا” في سورة الأنعام, وقال “بحسبان” في سورة الرحمن، لأن الأمر يقتضي مبالغة في الدقة, فهذا ليس مجرد حساب لكنه حسبان …
الأجرام السماوية 13844341312.png
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الأجرام السماوية 13844341312.png
ا.د/ كارم السيد غنيم
أستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر

التوقيع
رد مع اقتباس