عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2021/09/30, 06:52 PM
الصورة الرمزية محمود الاسكندرانى
محمود الاسكندرانى محمود الاسكندرانى غير متواجد حالياً
♥ ♥ ♥ نـائـــب المـــــديـر الـعــــــام ♥ ♥ ♥
رابطة مشجعى نادى ليفربول
رابطة مشجعى نادى ليفربول  
تاريخ التسجيل: Jan 2021
المشاركات: 591
افتراضي الإنسان الموفق من يراه الناس على حقيقته


الإنسان 764648558.gif
الإنسان 13844341312.png
إن البساطة وعدم التكلف سبب في الاستقرار الاجتماعي وتجانسه وكسر سوطه الذي يُجلد به الرضا والقناعة، وإن من المحزن جِدًّا أن يَرى المرءُ كثيرًا من عادات الناس الاجتماعية تتقاذفها مضاربُ التكلف في اتجاهات شتى تُخرجها عن سيطرة العقل والمنطق، إما هروبًا من تعيير، وإما طلبًا للمباهاة، وإما شدًّا لانتباه الآخرين؛ فثمة تكلُّف في الكرم، وتكلُّف في الأفراح، وتكلُّف في أحزان العزاء، وكم من عادات أوقعت أصحابها في ديون وحقوق، وفَرَّقَتْ بين أُسَر، ودخل بها سجون، وعُقِدَتْ بسببها محاكمُ، ومُحقت بها بركةٌ في النفس والمال والولد، وما أكثر القريبين الذين أبعدهم التكلفُ، وأهل الكرم الذين أفقرهم، والمستورين الذين كشفهم، ولا ريب -عباد الله- أن الإسلام يحض على الكرم لكنه ينهى عن التكلف، ويُحب الجَمال لكنه يُبغض التصنعَ، والمسلم الواعي لا يتكلَّف ولا يكلِّف غيرَه، فإن التكلف والتصنع عدو القناعة والرضا، وإن المتكلِّف لن يذوق طعم الراحة حتى يتركه، ولن يتركه حتى يلزم القناعة، فإنها تَرفع النفسَ إلى علو لا تبلغه بالتكلف ....
الإنسان 13844341312.png
والحاصل أن البساطة توسُّط بين تكلُّف مُفْرِطٍ وإهمال مُفَرِّطٍ، والمتكلفون كلابسي الأقنعة، فهي لا تدوم على وجوههم أبدا؛ لأن الحقيقة أطول عمرًا من التزوير، ومَنْ هذه حالُه كيف يثق بنفسه، بل كيف يثق به الآخرون، إن أمثالَه -بلا ريب- لم يلجؤوا إلى التكلف إلا لإحساسهم بالخوف وشعورهم بالنقص، ومراقبتهم الناس أكثر من مراقبتهم أنفسهم، تركوا استعمالَ أنفسهم بما وهبَهم اللهُ فتَقَمَّسُوا ما وهبَه اللهُ غيرَهم، ولو أن كل إنسان عاش في دنياه بما مكنَّه اللهُ لَمَا احتاج إلى أن يبني عاداتِه على شفا جرف هار لينهار به في وادي التصنُّع المهلك.
الإنسان 13844341312.png
وإذا كان التكلف مذموما في عادات الناس وأخلاقياتهم فإنه في عباداتهم من باب أولى؛ فقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن شعائر الإسلام قد كَثُرَتْ عليَّ، فأخبرني بأمر أتشبَّثُ به، قال: لا يزال لسانُكَ رطبًا من ذكر الله"([رواه الترمذي)، فانظروا يا -رعاكم الله- كيف أوصاه النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يلائم حالَه وقدرتَه، ولم يأمره بتكلف ما ليس له مُكْنَةٌ به، ولا هو قادر عليه، وقد أحسَن مَنِ انتهى إلى ما علم من نفسه وطاقته، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: "أُخْبِرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أني أقول: واللهِ لأصومنَّ النهارَ ولأقومنَّ الليلَ ما عشتُ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنتَ الذي تقول ذلك؟ فقلتُ له: قد قلتُه بأبي أنتَ وأمي يا رسول الله، قال: فإنكَ لا تستطيع ذلك، فصُمْ وأَفْطِرْ ونَمْ وقُمْ، وصُمْ من الشهر ثلاثة أيام؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلتُ: فإني أُطيق أفضلَ من ذلك، قال: فصُمْ يومًا وأَفْطِرْ يومينِ، قلتُ: فإني أُطيق أفضلَ من ذلك، قال: فَصُمْ يومًا وأَفْطِرْ يومًا، فذلك صيام داود -عليه السلام- وهو أعدل الصيام، وفي رواية: وهو أفضل الصيام، فقلتُ: فإني أطيق أفضلَ من ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا أفضلَ من ذلك"، فكان عبد الله يقول بعدما كَبِرَ: "لَأَنْ أكونَ قبلتُ الثلاثةَ الأيام التي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي"(رواه مسلم)، ولقد صدَق اللهُ: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النِّسَاءِ: 28] .
الإنسان 13844341312.png
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذِّكْر والحكمة ....

الإنسان 13844341312.png

التوقيع
رد مع اقتباس